Thursday, December 24, 2009

صور العرب النمطية في الإعلام الأمريكي

صور العرب النمطية في الإعلام الأمريكي

الدكتور احمد عبد المالك

أثبتت حوادث التاريخ أن الإعلام الأمريكي رغم ما يعلنه من مواقف الحياد والانفتاح والديمقراطية يحتفظ دوماً بصور "نمطية" عن العرب وأنه "يصنع" أخبارا تقبلها جميع دول العالم عن العرب وذلك لامتلاكه التكنولوجيا والمال، وهما عنصران أساسيان في إيصال الرسالة الإعلامية.

وفي ندوة "أصيله" التي عقدت برعاية "مؤسسة منتدى اصيله" تحدث بعض المفكرين العرب عن الصورة النمطية للعربي في الإعلام الأمريكي، وجاءوا بأمثلة عديدة لتلك الصورة التي تتجنى على الواقع.

إن معالجة قضية الصورة النمطية قد لا تتأتى على حوار المثقفين وإن دعوا إليه رموز الإعلام الأمريكي .. أو سفراء الولايات المتحدة أو الملحقين الإعلاميين الأمريكيين في السفارات الأمريكية في الدول العربية. لأن القضية كما نعتقد أعمق بكثير، وأشمل بكثير، ولم تكن الصورة النمطية وليدة حادث تفجير مبنى التجارة الدولية في نيويوك أو حادث تفجير مبنى "اوكلاهوما".

ابدأ، فالصورة النمطية ظلت عبر أجيال يتوارثها الأبناء، وكانت في الفلم الأمريكي الذي صور العرب على انهم مجموعة من البدائيين الذين يتزوجون بكثرة, وأنهم يحبون الثأر والليالي الماجنة (والحريم) وتكونت هذه الصورة قبل النفط وقبل الصراع العربي الإسرائيلي.

ولكن مع تطور الأوضاع السياسية في الشرق الأوسط, وازدياد قوة إسرائيل، وهزيمتها للعرب في أكثر من حرب ازداد تأصيل الصورة النمطية وذلك بفعل سيطرة مجموعة من اليهود في استوديوهات هوليوود وفي المحطات التلفزيونية الأمريكية.

الحرب العراقية الإيرانية

لعبت الحرب العراقية الإيرانية دوراً مهماً في تأصيل الصورة أيضاً. حيث لا يعرف الأمريكيون كشعب عن خريطة الشرق الأوسط سوى الإسلام. وبالتالي لا يفرقون بين العرب والإسلام. ويتم تقديم أخبار الحرب المذكورة على أنها بين العرب. ناهيك عن أساليب التحرير التي تبرز الصورة النمطية والعدائية ضد العرب. كما جاءت صورة اجتياح الكويت لتضيف الصورة قتامة أكثر وتؤكد للجمهور الأمريكي (تعطش) العرب للدماء. وعدم ترددهم في الانقضاض على إخوانهم من أجل النفط!!!

نحن بكل واقعية لن نندفع في حوار تعميمي بأن الإعلام الأمريكي هو المسؤول الأول عن الصورة النمطية، بل يجب أن نعترف بأن حوادث التاريخ ساهمت في خلق هذه الصورة. فما وصل إلى الجمهور الأمريكي من الأدب العربي قليل جداً, وتمحور حول (الشاذ) والغريب في حياة الملوك والأمراء وكان بهذا مصدر إلهام السينمائيين عندما أنتجوا الأفلام التي تحاكي الصور الموجودة في ذلك الأدب أو جزئيات الأدب الذي وصلهم!!

تماماً كما نشطت الأفلام في تصوير خصوصيات المجتمع العربي، وإن كانت محدودة، سواء في السياسة كالانقلابات, أو في الحياة العامة كـ "الختان", أو الأمور الشرعية كـ "قطع يد السارق" أو "رجم" الزاني. ولعل سبب ذلك الانبهار بهذه الخصوصيات هو الاختلاف حول القيم الإعلامية تماماً كما ننتقد نحن العرب خروج الفتاة مع صديقها عندما تبلغ الثامنة عشرة, أو قبل ذلك, وعلاقاتها مع أكثر من شاب وتمحور عقلية بعض الأمريكان على أن الفتاة يجب أن تجرب الحياة قبل الزواج حتى لا تنصدم عندما تتزوج.

فنحن كمجتمع عربي ومسلم نحافظ وننتقد وبشدة تلك القيم ولا نقرها لكنها عند المجتمع نفسه تعتبر نوعاً من الحرية الشخصية التي لا يتدخل فيها الوالدان!!. إذن فالقضية اختلاف حول القيم ولكن لماذا يكون الاختلاف فقط في الجوانب السلبية عندما يكون الحديث عن العرب.

الإنسان العربي

فالإنسان العربي يعجبه نمط الحياة في الولايات المتحدة وديمقراطيتها. ومشاريعها. وتكريسها لحرية الفرد والقضاء على الطبقية. وسيادة القانون. وجودة الإنتاج والتطور العلمي والتكنولوجي والانبهار الفني والثقافي. لكن الإنسان العربي أيضاً إذ يعتبر بهذا التفوق بأنه يرفض أن تكون الولايات المتحدة حارساً للعالم تتحكم بمجريات الأمور فيه على نهج يخالف حقوق الإنسان الذي بني عليه ينحاز هذا الفكر إلى إسرائيل متجاهلاً حقوق الإنسان العربي. ورأينا أن الانكفاء العربي السلبي أحد مسببات عدم تفهم الأميركيين لحقيقة الأوضاع في البلاد العربية, حيث لا يصل إلى الجمهور الأميركي من الصور إلا ما يعني المرض والانقلابات والفضائح!

الإعلام العربي

وهذا راجع إلى أن الإعلام العربي الذي يظل يمجد الحكومات فقط، ولا ينقل هموم الناس إلى المجتمعات الأخرى، قد ساهم هو الآخر مساهمة كبيرة في نقل وتأصيل الصورة النمطية, لأن الرسالة الإعلامية العربية سواء كانت عبر التلفزيون أو الفيلم أو الجريدة أو المسرح ظلت محدودة جداً, ولم تخرج عن الإقليمية الضيقة, كما أن صور الترجمة وضعف الإنتاج الأدبي قد أضعفت بدوره الإعلام أو الرسالة الإعلامية.

المجتمع الأميركي

ونحن نعلم أن المجتمع الأمريكي لا يهتم لحياة الآخرين ويؤمن بالتخصص وقد يصدق ما يصله من تراجم قد تبعث بها أيادي أعداء العرب, ويكون عنها رأيا عاماً لواقع الحال. وحيث أن ما يصله ليس إلا النزر اليسير من الحقائق فإنه يبني آراءه على تصورات وانفعالات ووسائل الإعلام التي لا بد وأن تأتيه بالمثير والغريب كي تبيعه الإعلان.

وإذا علمنا بأن اليهودية تسيطر على مرافق متعددة من وسائل الإعلام الأميركية, فإن من غير المتوقع أن تنقل هذه الوسائل الحقائق التي تعطي العرب الحق في الظهور بمظهر لائق في حياة القرن الواحد والعشرين، ومن غير المتوقع أن تتحدث هذه الوسائل عن أخلاقيات العرب أو الأمن في بعض بلدانهم, أو حقوقهم المغتصبة في الشرق الأوسط, أو علمائهم, أو فنانيهم..الخ. لكن الحديث السلبي يكون أقرب إلى (البيع) خصوصاً أن تم ربطه بسلبيات سابقة.

فالصياغات الخبرية التي تتحدث عن الإرهاب نجد دوماً معها صورة حادثة لوكيربي, وحادث تفجير مبنى التجارة الدولية تلازمها صورة المسلم الملتحي, والانفجار في القدس لا تكون خلفيته مجزرة قانا, أو صبرا وشاتيلا, إن فن التحرير الإخباري الذي يتقنه العاملون في الصحف والمجلات التابعة لليهود يكون مقنعاً جداً, خصوصاً وأن عامل الجغرافية يجعل المجتمع الأمريكي معزولاً عن العالم العربي. وإن تم ربطه بالأقمار الصناعية.

ما العمل إذن؟

يرى بعض المفكرين أن الحوار الإيجابي مع الأمريكان هو الوسيلة الأنجح لضمان تبديل الصورة النمطية عن الإنسان العربي, ومع إيجابية هذا التوجه إلا أن ندوة في كل عام ومع متخصصين لا يتعدون عدد أصابع اليد الواحدة لن يكون مفيداً لتبديل الرأي العام! ونرى أن الوصول إلى المجتمع الأميركي عبر رسائل متزنة وحقيقية ليس فقط في الجانب السياسي, بل وفي جميع جوانب الحياة, من الأمور الهامة التي يجب أن يتركز عليها الإعلام العربي الخارجي, كما أن دعوة أطقم من وسائل الاتصال ومحطات التلفزيون الأمريكية وزيارة المنطقة والتعرف عن كثب على معالم التحضر الذي تشهده المنطقة العربية، ولنقل الخليجية، إذ إن بعض الملامح في بعض الدول العربية لا ترقى لأن يتناولها الإعلام إلى الخارج. كما أن إصدار جريدة عربية باللغة الإنجليزية قد تكون مشروعاً ناجحاً أن أحسن اختيار فريق العمل فيها, وتم تحديد أهدافها بصورة واضحة. وبوجود شبكة الإنترنت لا بد للجهات العربية المعنية من تقديم المعلومات والحقائق عن البلدان العربية وبصورة واقعية ليتسنى للجميع الوصول إليها.

وقد لا يقل عن هذا دور الفيلم العربي الذي نأمل أن يخرج من (إقليميته) وصوره المتكررة ليحاكي الهموم الإنسانية التي تقبل في كل بقاع العالم. ولا نقلل أيضاً من دور الدوريات والنشرات والجامعات, فكلها وسائل تساهم في تبديل الصورة النمطية عن الإنسان العربي في وسائل الإعلام الأميركية!.

http://www.najah.edu

No comments:

Post a Comment