Thursday, December 24, 2009

صورة العربي في ألاجهزة السمعية البصرية في فرنسا

صورة العربي في ألاجهزة السمعية البصرية في فرنسا

الياس ادريس

مقدمة:

يصعب على المراقب أن يعطي فكرة وافية ودقيقة عن حالة ألاجهزة السمعية البصرية بفرنسا في الوقت الراهن، فاذا كان هناك ميدان لايعرف الثبات أو الجمود فانة ميدان هذة الثقافة عينها. لم تعرف فرنسا في تاريخ التلفزة، منذ البديات ألاولى الى نهاية الثمانينات، مثيلا لهذا التحول الهائل الذي طرأ على الثقافة السمعية البصرية منذ أربع أو خمس سنوات. تغيير جذري يجرف قيما كان يظنها المراقبون شبة أبدية، ويثبت قيما أخرى جديدة تستجيب لعصر السرعة والصورة الخاصة التي يمنحها التلفزيون عن عصر السرعة.

لقد ولى الوقت الذي كان يعتبر فية التلفزيون والاذاعة والسينما أجهزة ثقافية الى جانب الكتاب واللوحة والمسرح، أجهزة أكثر شعبية بدون شك، وجاء زمن الفيديو والكليب والاشهار الدائم، التيلفزيون الان قوة مالية وأقتصادية وسياسية ودعائية يحسب لها حساب. لها دور أساسي في انجاح او افشال عمل سينمائي أومسرحي أوكتاب، كما لها دور رئيسي قي التغيرات السياسية والانتخابات. لذا، من اللامعقول بل من المستحيل أن يتجاهل أي فنان أورجل سياسي يريد الحفاظ على سمعتة هذا الاطار: التلفزيون المرور عبر الشاشة الصغيرة شرلا بد منة للخروج من دائرة النسيان والظل. لكن للتلفزة أمراضها المعدية ونادرا ما يخرج الفنان أو الكاتب أورجل السياسة من هذة التجربة سالما. ألامران خطيران اذن، سواء تم تجاهل التلفزيون أو لم يرفض لان الرابح الوحيد في نهاية المطاف هو الصورة التي يعطيها هذا الجهاز عن نفسة.

ليس هذا بجديد، فهذة هي طبيعة التلفزيون في الدول الديمقراطية، او التي توصف كذلك، لكن الجديد هو الاسلوب الحالي: عصرنة الهيمنة وتقويتها، تكاثر أشكال التعامل مع الواقع الذي يغيب بقدر ما يضاعف من ساعات البث والارسال، غموض المرجع المعيشي للمواطن مع تعددية القنوات (القطاع العام، والدولة، القطاع الخاص، اضافة الى قنوات عالمية أخرى) .

الجديد في الأمر هو ظاهرة الغموض واختلاط كل الاوراق وكل ألالوان دون تقييم أو تحليل أو حتى عرض موضوعي يعطي لكل ذي حق حقة. موضوع شائك ومعقد ودائم الحركة والتحول. موضوع يدعو بصراحة الى الكآبة. لانة رمز لانهيار القيم على مذبح الربح السريع والسباق المهووس لجلب أكبر عدد ممكن من المتفرجين.

كل شيء قابل للبيع: كل الاذاعات والتلفزيونات تسرع لنقل حرب بيروت والكوارث الطبيعية وموتى فلسطين، مادامت هذة موضوعات مضمونة تجاريا. هكذا فالأساسي حاليا ليس الاخبار الموضوعي عن أحداث هذة البلدان، بل الاكتفاء باعطاء صورة سريعة عنها قبل الانتقال الى ميدان الرياضة أو التسلية أوالمنوعات، كل ذلك بطريقة واحدة، لاتتغير، لامبالية، بيضاء النبرة. وهذة طبيعة التلفزيون المرضية.

ما هو موقع العربي ( أو الاجنبي بشكل عام ) في هذة الصورة؟

ليس من العسير أن نفهم أنما، أي صورتة، لاتخرج عن الخسوف الذي يميز اسلوب التلفزة في السنوات الاخيرة. يساء الية–اراديا ولا اراديا، في الوقت الذي يوهمونة أنة مثل الجميع، لة الحق في الكلام والتعبيرعن آرائة دون قيد. المشكلة تكمن هنا، مثل الجميع، لة الحق في الكلام والتعبير عن آرائة دون قيد. اي بشكل غاية في السرعة، غاية في السطحية، لأن الوقت في هذا الجهاز الجهنمي، من ذهب، فاذا لم تستطع أن تقول شيئا خلال الدقيقتين المخصصتين لك، فهذا شأنك، أما نحن فسننتقل الى المنوعات، انتهى.

هذا اذا افترضنا، مجرد افتراض، ان التلفزة تتعامل مع الجميع بشكل ديمقراطي، أي دون نزعة شوفينية شهيرة لدى الفرنسيين منذ عقود سحيقة. أما اذا بحثنا في هذا الاتجاة فسنجد انفسنا أمام ظاهرة الغاء الآخر وسحق هويتة. سوف نحاول الان أن نتعرض للصورة الواقعية أو المتخيلة التي يحتلها العربي في التلفزيون الفرنسي بشكل خاص وفي ألاجهزة السمعية البصرية، بشكل عام، مركزين على الديناميكية الداخلية لهذ الاخيرة، اذ بدون ذلك لايمكننا الوصول الى غايتنا.

ظاهرة الغموض:

أحيانا، يكفي القاء نظرة خاطفة على برامج التلفزيون، ليصاب المتتبع أو المتفرج العادي بحيرة أمام هذا الخليط المتناقض الذي يقترح علية من افلام جادة الى منوعات سخيفة والعاب لا قيمة لها. في السابق كانت أفلام جان لوك غودار وفيريري ورومر محرمة ليس فقط في التلفزيون بل وفي قاعات العرض السينمائية التجارية أيضا. كانت تكتفي بالمرور لبعض الوقت في قاعات خاصة ( قاعات الفن والبحث) وها هي آلان تجاور ألافلام ألاكثر تجارية في ساعات البث ألاساسية. ماذا حدث؟ بالنسبة لمديري البرامج. الجواب سهل: لكنة جواب مراوغ وديما غوجي اذا عرفنا أنة الى جانب هذا النوع من ألافلام، تزدهرالتفاهات من كل نوع.

المسألة أكثر تعقيدا من هذا أو ذلك، لأنة في اطار التحولات الكبرى التي يعرفها هذا القطاع، يقدم المبرمجون كل الاتجاهات دفعة واحدة من جهة لابعاد التهم الموجهة اليهم ( بأنهم لا يهتمون الا بالربح السريع) ومن جهة أخرى لربح سمعة ثقافية لابأس بها، لنأخذ مثلا قريبا من موضوعنا: أتناء زيارة المغنية اللبنانية فيروز لباريس لاحياء سهرة استثنائية في العاصمة الفرنسية. خصصت الصحف والاذاعات ومعظم التلفزات البعض من أخبارها لنقل الخبر. فبالاضافة الى الاستقبال الرسمي الذي أقيم على شرف المغنية (اصدار كتيب صغير عن فن فيروز شارك فية محممود درويش، أدونيس، أندرية شديد، جورج شحادة وأخرون بدعوة من وزير الثقافة جاك لانغ ). أرسلت القناة الثانية ملفا خاصا عن فيروز اعده الصحفي فريدريك ميتران، حفيد رئيس الجمهورية، لا شك أنها مبادرة طيبة من طرف رجل معروف بمساندتة للعرب والسود وألافارقة (لقد خصص العديد من

حلقاتة لبعض السينمائيين والفنانين والمغنيين والممثلين العرب).

الا أنها تغرق في حالة من الغموض حين نعلم أن بث البرامج قد اقيم ( ويقام دائما ) بين منوعات غنائية رديئة وغبية وبين مسلسل امريكي بكل ايديولوجية التمركز على الذات وإذن الغاء الاخر، كيف يمكن للمتفرج العادي أن يجد نفسة؟ كيف يمكنة الاختيار أمام هذة الموجات المتناقضة التي تهاجم جسدة؟ خاصة وان كل هذة البرامج تقدم الية يشكل شبة حيادي، أي ذات قيمة متساوية؟ كيف يمكنني كعربي أن أنتقل من صورة ايجابية لي الى نقيضها؟ هذا مثال واضح على غموض خطاب التلفزيون ورغبتة في الحياد. لان الاساس ليس هو مضمون ما يقدم للمتفرج بل شكل تقسيمة الى لقطات متتابعة مستقلة بذاتها ومتساوية الدلالات (من فيروز الى مسلسل أمريكي مرورا باعلانات الاشهار).

هكذا، فاختلاط القيم في المجتمع يجد طريقة الى الأجهزة السمعية البصرية. في نفس الوقت نسمع ونرى غضب اليمين المتطرف ضد العرب والأجانب الى جانب ادانة اليمين "العادي" للجرائم العنصرية في الوقت الذي يقترب فية من هؤلاء الآخرين لأسباب انتخابية.

التلفزة هي المكان الوحيد الذي يستطيع جمع كل هذة الصور المتناقضة عن موضوع ما، العرب هنا يهضمنا ويوزعها بشكل آلي، حسب ديناميكية السرعة. لان الهدف الأساسي هو محو أي أثر دائم. فالتلفزيون، كما يقول ذلك السينمائي السويسري جان لورك غوادر بشكل ممتاز"لايخلق ذاكرة بل على العكس، يخلق النسيان"!

التلفزة موضوع الاجهزة السمعية البصرية

التلفزة، يا للغرابة، هي الموضوع المفضل للتلفزة. بدأ هذا مع تكاثر القنوات في أيطاليا قبل أن ينتقل الى قرنسا ويشمل باقي البلدان الأوروبية (أما الولايات المتحدة فتعرف هذا منذ زمن بعيد). كل قناة تقوم بالاشهار لأفلامها وبرامجها وصحفيها، هذا طبيعي. لكن كل قناة تتحدث أيضا عن القنوات الأخرى. عن فضائح الاجرة التي يتناولها بعض العاملين فبها، عن المعارك بين التلفزة والقضاء، عن هجرة المقدمين من قناة الى اخرى الخ. ويبدو ان هذا يجد صدى هائلا لدى المتفرج، لأن عالم العاملين في هذا الميدان، بالنسبة له، هوعالم ألف ليلة وليلة والرخاء والزهو. التلفزيون هو موضوع الاذاعات أيضا.

فما من إذاعة حرة أو وطنية الا ولها أشياؤها الخاصة بهذا القطاع. من التعليق الصحفي السريع الى "الندوات" ولاشهار والاعلانات عن الأفلام والمنوعات وتدخلات رجال السياسة في اطار حلقات مخصصة لهم. ما من صحيفة يومية أو اسبوعية أو شهرية، يمينا أو يسارا الا ولها صفحاتها عن التلفزيون التي تصل أحيانا الى نصف صفحات الجريدة العامة. أتساءل ماذا ستنشر هذة الجريدة في حالة اضراب عام لعمال التلفزة! ليس من الغريب، في هذة الحالة، أن تفرض التلفزة أسلوبها، لغتها، وطريقتها في التعامل مع العرب. فالاذاعات والصحف تعيد انتاج الخطاب التلفزيوني في هذا المجال.

كل العرب، في الشاشة الصغيرة، وهذا ليس تعميما، هم مهاجرون: أي عمال ضحايا ومساكين يجب الرفق بهم رغم تربيتهم التي لا تتماشى مع الحضارة الاوروبية التي هي ام الحضارات. التلفزة تتحدث عن "الهجرة" وكذلك الصحف والاذاعات. وحين تتحدث جريدة ما عن الهجرة. فذلك بسبب بث برنامج خاص بهذة المشكلة العويصة التي يعيشها المجتمع الفرنسي الحديث! مثلا حين يقرر برنامج "مسيرة القرى" انجاز حلقة خاصة عن المهاجرين المغاربه، فهذة فرصة لكل الصحف لتفرغ ما في جوفها في ما يتعلق بالأمر. كذلك حين يمر السيد هالم ديزيرHalem Desir رئيس جمعية الدفاع عن المهاجرين وضد العنصرية، في برنامج معروف، هذة فرصة أخرى للصحافة ورجال السياسة للحديث عن العرب! كأن العرب لا وجود لهم الا عبر ارادة التلفزة. لنلاحظ هنا، أن العرب هم المهاجرون ولا شيء أخر.

وأن المهاجرين هم العرب فقط. كأن البرتغالي أو الاسباني أو الياباني الخ ليسوا مهاجرين في جميع ألامثلة التي تلجأ اليها الصحافة في هذة البرامج، ليس هناك غير العرب! من ناحية أخرى: لا يمكن للعربي أن يكون مثقفا أورجل أعمال أو حالة اخرى غير الضحية الأبدية. العربي. في الخطاب التلفزي هو اما ضحية أومجرم أي خارج عن القانون. تلك هي الصورة التي تنسجها فنتازيا الرجل الغربي المتوسط.

بالنسبة للضحية. كل الآراء السياسية المختلفة تتفق بشكل غريب وغرائبي على ضرورة مساندتها. والأمثلة لاتكف عن التكرار، لسوء الحظ، اذ أن العربي عرضة للسب والاهانة والقتل الجسدي في كثير من الأحيان. لا أحد يقول، جهرا على ألاقل، ان من حق الفرنسي المتحضر والمتطور ابادة الافريقي أو العربي المتأخر والمتوحش. ومع ذلك فغالبا ما يترك المجرم يعيش في حرية، خاصة اذا كان هذا ألاخير ينتمي الى جهاز البوليس.

بالنسبة للمجرم، بائع الحشيش أو فقط ألاجنبي الذي يقيم في فرنسا بشكل غير قانوني، فان الآراء تتفق أيضا: يجب محاكمتة وطردة من البلاد. بين المجرم والضحية: فراغ قاتل. ليس للعربي هوية ثقافية وحضارية مثلة مثل باقي البشر. لنلاحظ أيضا أن التلفزة تتكلم عن رجال الأعمال العرب حين يتعلق ألامر بالفضائح المالية والسياسية المتعلقة بالاقتصاد الفرنسي. فجأة يكتشف المستمع أن هناك نموذجا آخر غير البائع المتجول والصعلوك والعامل وصاحب المقهى. لكن ذلك لاساءة الى هؤلاء (لا نستثني انتماء هؤلاء الى المافيا العالمية!) لنلاحظ أخيرا القاموس الذي تستعملة التلفزة للحديث عن بعض مواطنيها الذين هم من أصل عربي. فالقول أنهم مهاجرون أو ما يسمى بشكل ديماغوجي "بالجيل الثاني" هو حرمانهم من المواطنة الفرنسسية بشكل تعسفي، دون أساس. صحيح أنهم من أصل عربي، فالقول أنهم مهاجرون، أو ما يسمى بشكل ديماغوجي "بالجيل الثاني " هو حرمانهم من المواطنة الفرنسية بشكل تعسفي دون أساس. صحيح أنهم من أصل عربي، لكنهم ولدوا في فرنسا ولا يعرفون ثقافة أخرى أوبلدا آخر غير فرنسا، رغم اقترابهم الروحي من العرب والأفارقة.

"الجيل الثاني" الذي يكرر دائما في الاجهزة السمعية البصرية طريقة مراوغة لاقامة مواطنين من الدرجة ألاولى وآخرين من الدرجة الثانية. وهذا ما يدفع بعض شباب هذا الجيل الى القول، هل المغنى منصبي: "أنا مهاجر دون بلد أصلي!". أو" يلزمنا جزيرة لنعيش فيها " ( فتاة من مراسيليا من أصل جزائري". الأحاديث، أو الخطابات الجانبية أو الهامشية التي تحاول بعض الجرائد القليلة الانتشار وبعض الاذاعات العربية الحرة، لا تسمع. فالتلفزة قوة خارقة للعادة، تلزم الآخرين الأخذ بعين الاعتبار بما تقولة وفي أسوأ الحالات بتكرار لغتها (المهاجرون – الجيل الثاني – الخ).

التلفزة الغربية أنانية، لاتتحدث الا عن نفسها. وجمهورها يتلقى دون أن ينتقد، لانة ينسى قي اللحظة ذاتها التي يرى فيها الحدث، كما رأينا في قولة السينمائي جان لوك غوادر "أن الخاصيه الأساسية التي تميز التلفزة الجديدة كونها تتكلم أقل فأفل عن العالم الخارجي (وهذا ما كانت التلفزة القديمة تقوم بة أو تحاول القيام بة ). تتحدث عن نفسها وعن التواصل الذي تريد احياءة بينها وبين المتفرج " فالصورة التي تريد اعطاءها عن الهامش ( العرب – المرضى – العجزة – الفنانين ) يتم انتاجها عبر المركز: أي الجهاز التلفزيوني ذاتة.

سلطة التلفزة

للتلفزة سلطتها الخاصة. سلطة فوق السلطة. تهيمن على السلطات الأخرى وتوجهها وتخضعها لمنطقها. "ان الصورة أولا هي تقطيع. والمهم ليس ما تحوية هذة الصورة بل ما تبعدة" ( بول فيغليو) ما تخفية أو تبعدة الصورة التلفزية هو الهامش، والمختلف. أي كل ما يزعج أو يخرج عن التناسق الاجتماعي الذي تنادي بة وتعمل من أجلة.

لننظر مرة أخرى الى ما يحدث خلال فترة الانتخابات. فالتلفزة تخصص كل برامجها تقريبا لهذة الظاهرة. والصراع بين مرشح اليمين ومرشح اليسار يضاعف بصراع آخر، خفي سري، بين هذين الأخرين وبين الصحفي الذي يمثل التلفزة. الغائب في هذا الصراع هو المختلف أوالهامشي: الصراع حول. قضية الفقر دون حضور صورة هذا الأخير. النزاع حول قضية المغاربة دون حضور ممثلي هؤلاء الخ.

العربي هنا مجرد فكرة عائمة تستغل في جميع الاتجاهات لشراء أصوات الناخبين. فاليمين التقليدي في دفاعة عن مسألة غامضة مثل " أمن المواطنين الفرنسيين " يتكلم في نفس الوقت عن الحد من الهجرة وارسال "المجرمين" الى أوطانهم. واليسار يتحدث عن حل "انساني" للمسألة، عن ارسال المهاجرين الى أوطانهم، لكن بطريقة غير متوحشة! وهنا يلتقي الخطابان. ولا أحد يحاور العربي بشكل مباشر، بالرغم من أنة المتهم الرئيسي بالموضوع. والحال أن النزاع يظل مجرد ديماغوجية. اذ لا اليسار ولا اليمين يستطيع الحديث الموضوعي عن الهجرة العربية. لأن هذة الآخيرة قد توقفت منذ سنوات عديدة.

لا أحد يتكلم عن مساهمة العرب في بناء المجتمع الاوربي وعن الدور التاريخي الذي لعبوة، هنا وهناك مثل باقي الشعوب. الا أن الغياب الاكثر دلالة هو غياب التاريخ الحديث للعرب. أي علاقتهم بالغرب. أليس غريبا أن تتجاهل التلفزة الفرنسية موضوعا حاضرا في لاوعي وفي وعي الفرنسيين مثل حرب الجزائر؟ فهذة الحرب لا وجود لها في الشاشة الصغيرة. المنتجون السينمائيون يخافون هذا الموضوع (فشل محاولة السينمائي أندري تشينية في اخراج فيلم عن هذة المسألة الشائكة بسبب تهرب المنتجين وخاصة التلفزة: القناة الثالثة التي هي قناة القطاع العام ) والأفلام التي يخرجها الأجانب غير الفرنسيين لا تعرض في التلفزة. لأن هذة الحرب محرمة بشكل غير مفهوم.

ان الفيلم التسجيلي الذي أخرجة "بيثر بيتي" عن حرب الجزائر منذ 1830 الى الاستقلال، والذي يعد أهم وثيقة في الموضوع حيث يدوم اكثر من خمس سنوات عرض في كثير من تلفزات اوروبا، باستثناء التلفزة الفرنسية المعنية بالأمر! هكذا فرغبة النسيان أقوى من رغبة الذاكرة والحوار بين الانا والآخر.

في زمن أصبحت فية التلفزة شريكا أساسيا في انتاج أفلام السينما، لايمكن لهذا القطاع الأخير أن يدافع عن استقلاليتة. فالسلطة التي تمارسها الشاشة الصغيرة على الارادة السياسية لم تعد خافية على أحد. " وهكذا أصبحت السياسة بكاملها في مجتمعاتنا قضية صور، مودعة للمختصين بما يسمى بالتسويق السياسي".

حقيقة الأخبار

تقدم الأخبار، في الاذاعة كما في الشاشة الصغيرة، على أساس أنها حقيقة. أي يمكن التأكد من صحتها أوعدم صحتها في مطابقتها للواقع. كل ما يحدث في العالم يتم نقلة أو الاعلان عن حدوثة بشكل يوحي بالصدق أوالحقيقة. هكذا فللعالم الثالث حصة الاسد من الأخبارالمتعلقة بالخارج. خاصة الحروب والكوارث والانقلابات العسكرية الخ. صحيح أن التلفزة ليست مسؤولة عن هذة الأحداث. الا أن الصورة السريعة التي تقدم بها هذة ألاحداث لاتعطي للمستمع وقتا لتكوين رأي متكامل عن الموضوع. فلبنان موجود باستمرار في كل نشرات الأخبار. لكن لا أحد يعرف سبب أو طبيعة النزاع أو تاريخيتة. وذلك لأن الوقت المخصص لنتائج سباق الخيول أوالسباحة. وخارج نشرات ألاخبار، لاحديث عن هذة المواضيع" لأن التراجيدي أكبر حجما من الشاشة الصغيرة" التي لاتبحث الا عن التسلية وقتل فراغ المتفرجين.

ان"الحقيقي" بالنسبة للشاشة الصغيرة هو التالي: هل بالفعل هناك معارك في فلسطين بين العسكر والأطفال أم لا. واذا كان ذلك صحيحا فما عدد الموتى والجرحى في الجانبين؟ فقط. الأسباب العميقة وحتى السطحية لا أهمية لها. لأن الوقت هو وقت الاعلان السريع عن الصابون كما عن الحرب والرياضة.

الخوف والحذر

يمكن أن نربط ظاهرة تفشي مرض العنصرية وارتفاع نسبة اليمين الفاشي المعادي لكل أشكال الاختلاف: العرب، اليهود، المسلمين الخ. بالحيز الذي تعطية الشاشة الصغيرة والاذاعة لمسؤولي اليمين المتطرف. اذ ما من مناسبة، كبيرة أو صغيرة. الا ويحضر فيها هؤلاء لاعلان رأيهم جهرا في السياسة المتعلقة بالأجانب. كل الفرص صالحة لافراغ ما في جوفهم من معاداة للعرب وكأنهم سبب كل الداء الذي يأكل المجتمعات الأوروبية الحديثة من الداخل.

فالتلفزة تقوم بالاشهار المجاني للفكر الفاشي بطريقة غير واعية في غالب الأحيان. اذ من الخطأ القول ان الصحفيين في هذا القطاع يدافعون عن هذا الفكر. والخطأ هوخطأ الجهاز كنظام يبحث عن "الصدمة" المباشرة وربح أكبر عدد ممكن من المتفرجين في الوقت الذي تحاول التلفزة، بشكل موضوعي احيانا، انتزاع بعض الحقائق من اليمين المتطرف، تسقط في السهولة والسطحية. فما يكررة دعاة العنصرية كلام مبسط يستدعي الغريزة أكثر من العقل التحليلي. ان الهدف الأساسي لهذا الخطاب هو تخويف الفرنسي المتوسط من"الغزاة"، "هؤلاء الذين يسرقون لقمة خبز الفرنسي"! كيف يمكن أن نفسر، مثلا، النجاح الهائل الذي عرفة اليمين الفاشي المعادي للعرب والمهاجرين في قرية صغيرة على حدود ألمانيا، في حين أنها قرية لم تعرف قط في تاريخها أي نوع من أية هجرة كانت؟

كيف يمكن لسكان هذة القرية المعزولة أن يدخلوا معركة ضد عدو مجهول لامرئي؟ الاعلام، في راينا. هو السبب الحقيقي في تخويف المواطنين. فالأمن لة علاقة بالمهاجر العمل له علاقة بالعربي. وفي التلفزة لايقدم العربي الا كمجرم، خارج عن القانون، ارهابي أو ثري يحتقر المرأة أويضطهد أطفالة. ومن ثمة فهو خطر حقيقي على الحضارة ألاوروبية!

مارسيليا تأخذ نصيبا هاما من ألاخبار المتعلقة بالمهاجرين، نظرا لتواجد السود والعرب واليهود الشرقيين هناك. في انتخابات 1984 مثلا فوجئ الجميع بالشعارات التي يرفعها اليمين، اليمين المتطرف، واليسار. كلها تتعلق "بالهجرة وأمن الفرنسيين" الغريب في الأمر أن اليسار كان أكثر كرما في الديماغوجية التي تتخذ العرب كوسيلة لربح الانتخابات: " مع اليمين الهجرة متوحشة، مع اليسار توقف الهجرة" ذلك هو الشعار الذي ردد مرارا وتكرارا خلال هذة الفترة في وسائل الاعلام.

صحيح ان اليسار قد تراجع عن هذا الشعار التافه بعد الانتخابات لاتخاذ قرارات أكثرعقلانية وانسانية تجاة هذة القلة الهامشية والمهمشة التي تقطن في الأحياء الشعبية في مارسيلسا. الا أن هذا القرارلا يغفر لة كونة قد استعمل العربي، والاجنبي بشكل عام، للوصول الى غاياتة. الخوف اذن، والتخويف ظاهرة يجب دراستها للوصول الى نتيجة سليمة وموضوعية عن الصورة التي يقدم بها الاجنبي في الوسائل السمعية البصرية في هذا البلد. من الجانب الآخر، هناك حذر. حذرالآخر من اقتحام وسائل الاعلام هذة. من وقت لآخرهناك حضور المثقفين والفنانين العرب، أومن أصل عربي، أنة حضور لايزال ضعيفا.

فباستثناء بعض مقدمي البرامج وبعض الصحفيين الذين يعملون في اطار هذة التلفزات والاذاعات، لانجد مكانا للأجنبي في البرامج. وبالرغم من أن الصحفي الاجنبي يعمل مثل الفرنسي أي يخبر في اطار القانون الذي تضعة التلفزة، فانة عرضة للسب والشتم وارادة الطرد من طرف اليمين المتطرف (هجوم اليمين الفاشي المتكرر على السيد رشيد عرب يعمل في القناة الثانية). ما يجب القيام بة من طرف المثقفين الأجانب هو تحليل الصورة التي يرون أنفسهم فيها، محاولة قول هذا التحليل في الاذاعة والتلفزيون ومن ثمة دفع التلفزيون لتغيير هذة الصورة واعطاء أخرى أكثر موضوعية (وهو ما يقوم بة الصحفي فريديريك ميتران بتخصيصة لبعض حلقات برامجة للمرأة العربية – حرب الجزائر.. الخ).

الروائي والتسجيل:

رأينا ان الأخبارتوحي بالحقيقة، أي أنها تريد لنفسها صبغة الموضوعية والنزاهة. فهي لا تستطيع الاساءة الى الأجنبي أو العربي بطريقة فجة مباشرة. فهي تتحدث عن جريمة ما، عن حدث درامي بين شرطي ومهاجر، بشكل محايد أو متعاطف مع العربي حين يكون هذا الأخير ضحية. ان الكذب، يحاسب علية في الأخبار والوثائق التسجيلية. أما في الأفلام الروائية فهو ينتمي الى الخيال وحرية الخلق. هكذا فالتشوية الحقيقي الذي يتعرض لة العرب والأفارقة والسود ينتمي الى هذة الطائفة من الأفلام.

فاذا كانت الأفلام التلفزيونية أو الأفلام السينمائية التي يتم عرضها في التيلفزيون، هي في الغالب وفي معظمها، قليلة الفائدة ولا اهمية كبرى لها فنيا، فان الأفلام التي تتعرض للعرب بطريقة او بأخرى، أكثر رداءة وتفاهة من الأخرى. أفلام بوليسية في حاجة الى مجرم " طبيعي"، الى خارج عن القانون وبائع مخدرات" طبيعي". هذا المجرم الطبيعي هو العربي في الأحياء الفقيرة في فرنسا المسألة ليست في وجود أوعدم وجود العربي الخارج عن القانون، في الواقع. بل في التطابق بين المجرم والعربي. ففي الأفلام البوليسية لا يلعب العربي سوى هذة الأدوار. لكأنة غير قادر على شيء أخر. فكأن انتماءة الى شعب آخر كفيل بجعلة مجرما وارهابيا .

والجدير بالذكر أن الممثلين العرب الذين يقومون بهذة الأدوارمقتدرون وأكفاء، لهم تجربة مسرحية هامة في أغلب الأحيان. بل وحتى في الأفلام الأخرى الجادة، لا يخرج العربي عن نطاقة الهامشي. انة ضحية، فقير، عامل مهاجر يعيش مآسية الجنسية في صمت. وهذة صورة تتغير في الواقع ولا تتغير في الأفلام الروائية. أما الأفلام الروائية الأكثر اساءة الى العرب فهي تلك التي تتناول موضوعات مثل الارهاب في الشرق الأوسط. فهي ايديولوجية واضحة ولا تخفي أسرارها. بين الأخبار الوثيقة، الفيلم التسجيلي، والفيلم الروائي تضيع صورة العربي وتغدو أكثر ضبابية. أفلا يمكن للعربي أن يكون شيئا آخر في هذة الأعمال: عاشقا أو شاعرا أو أنسانا عاديا له آماله وهمومه ،أحزانة ومتاعبه؟ ألا يمكن للتلفزة ان تظهرالأجنبي كما هو بالفعل: في حياته وفي عمله وفي أحلامه؟ تلك مشكلة لم يتطرق لها المخرجون بعد (الا في حالات نادرة، الأبرياء لأندرية تشينية مثلا).

رأينا في مكان سابق أن أجهزة الأعلام تحاول أن تعطي عن نفسها صورة محايدة. والحال أن طبيعتها ليست محايدة الا في الظاهر، سطحيا. فمن المنوعات الغنائية الى برامج التسلية والالعاب الى الرياضة والمسلسلات الأمريكية والافلام السينمائية والأخبار، تنتقل الشاشة الصغيرة من شيء الى آخر بنفس الايقاع السريع المتوتر، مقحمة كل أنواع الاشهار: ان الأكل والأحذية وأدوات الزينة النسائية والنظارات الشمسية والسيارات الحديثة الخ. ويمكن القول أن كل برامج التلفزة قد تكيفت مع ما تفرضة الاعلانات، فهي، البرامج، سريعة ومتوترة لاتكاد تبدأ حتى تنتهي، ولا تكاد تنتهي حتى تبدأ من جديد. التلفزيون اصبح مجرد إعلان اشهاري يدوم ساعات برامج تنتجها الشركات الكبرى لتقوم بالدعاية لمنتوجاتها). مع الاشهار تتكسر طبيعة الحياد أحيانا بشكل حزين يدعو الى الغضب والاستنكار. لنأخذ مثلا واضحا على ذلك: في الفيلم الذي اخرجة اللبناني مارون بغدادي عن حرب لبنان، لصالح "أطباء الانسان" Medecinsdes hommes (وهو واحد من خمسة أفلام عن تواجد هؤلاء الاطباء في أماكن ساخنة مثل أفغانستان وبيروت) نرى بشاعة عقلية الربح التي تفرضها الشاشة الصغيرة على المتفرج، فالاحداث تتوقف بشكل مفاجئ ليعطي المجال لاعلانات عن أدوات الزينة. الجسد المشوة المرمي في عرض الطريق يعوض بجسد امرأة جميلة لاتعرف هل تبيع ادوات الزينة أم تبيع نفسها للمتفرج. يتوقف الفيلم عدة لحظات. تغيب بيروت وتعود استديوهات باريس الى المقدمة. طبعا، كان من الممكن القيام بالاشهار بعد انتهاء الفيلم أو قبل بدايتة. لا فالطريقة الذكية- جاءت من الولايات المتحدة ألامريكية، تستعمل المفاجأة للتأثير على المتفرج أو المستمع. هكذا ففي اللحظات القوية من الفيلم، يقتحم الاشهار الشاشة الصغيرة، ليقول حيادة، أي لا مبالاتة ونظرته المتساوية الى كل القضايا.

كل شيء مبرمج في الشاشة الصغيرة، لا مكان للتلقائية. لذا لم تعد هناك برامج مباشرة فالتلفزيون يخاف البث المباشر ومفاجآتة. دقائق الحزن ودقائق الفرح محسوبة بدقة وموجهة للتأثير المباشر على عاطفية المتفرج. عاطفية سطحية هدفها الرد السريع الذي ينسى نفسة في الدقيقة التي تلي! اما الاحساس الحقيقي والعميق فلا وجود له تقريبا في هذة الشاشة (لا وجود لروبرتاج عن أفغانيين أو فلسطينين في حياتهم اليومية مثلا).

http://www.najah.edu/index.php?news_id=5441&page=3171&l=ar

No comments:

Post a Comment