Thursday, December 24, 2009

تزوير صورة الآخر يتنافى مع المثل الأخلاقية الإعلامية

تزوير صورة الآخر يتنافى مع المثل الأخلاقية الإعلامية

ابراهيم الداقوقي - أستاذ الأنظمة الإعلامية

دأبت الدراسات والبحوث التي تناولت الصورة القديمة لمجموعة من الناس أو لكيان اجتماعي محدد لدى مجموعة أخرى ، على استخدام عدد كبير من مناهج البحث العلمي في مجالات السياسة والإعلام وعلوم النفس والاجتماع والتاريخ واللغة والإحصاء ، بدقة ومهارة وصولا إلى نتائج غير متحيزة أو مضللة لتكوين صورة ذهنية صحيحة حول تلك المجموعات من جهة ، ولتحقيق حياد الباحث العلمي أو جهاز الإعلام وحجة أدواته ودقته في تحديد تلك الصورة من جهة أخرى . ومن هنا فان الباحث أو الجهاز الذي يستخدم فقط أحد تلك المناهج البحثية المتعددة لدراسة تلك الظاهرة ، فانه يحصر نفسه في زاوية حادة ولا يتوصل إلى رصد العلاقات المتداخلة والمتشابكة و المتبادلة لحقائق تلك العلوم من جهة والمتغيرات الأساسية التي تتحكم في الظاهرة موضوع الدراسة من جهة أخرى وبذلك فان الباحث المذكور أو الجهاز الإعلامي يضطر ـ في هذه الحالة ـ إلى استخدام الأحكام المسبقة لرسم إطار صورة شعب لدى شعب آخر ، من خلال وضع فرضياته هو للوصول إلى النتائج التي يتمناها لذلك البحث ، على حساب الثقة العلمية والدراسة الموضوعية بدل انتقاء تلك الفرضيات من مجموعة مناهج البحث العلمي والعلاقات المتداخلة والمتبادلة والمتكاملة فيما بينها ، في ضوء معايير علم تحليل المضمون وتقنياته لاستخلاص تلك الصورة . ومن هنا فان استخدام الإعلام وتقنياته المتطورة في رسم صورة شعب لدى شعب آخر يصاحبه عادة شئ من التحوير أو التزييف أو التزوير ، لاسيما إذا كانت علاقات بلدي الشعبين ليست على ما يرام ، أو كان الإعلان مدفوع الثمن يقف وراء رسم تلك الصورة ، ويتجلى ذلك عادة - أو بصورة أوضح - في المعاجم أو المعْلمات ( دوائر المعارف ) أو القواميس الثنائية اللغة - المغرضة والمجانبة للحقيقة - باستخدام الصور النمطية المقولبة Stereotypes السلبية ضد الآخر المرفوض أو المقصي أو غير المرغوب فيه . وتعد عملية وبستر الحالية خير مثل على هذا التزوير المعلوماتي - الإعلامي ، كما أننا نستطيع إيراد العديد من الأمثلة - على صعيد الإعلام الدولي - حول تزوير صورة الآخر ، منها :

- حين خرجت في لندن مظاهرة حاشدة معادية للحرب يوم 6 كانون الأول (ديسمبر) عام 2001 وشارك فيها حوالي 50 ألف شخص "وهي ترفع لافتات يقول بعضها (الشعب الأفغاني يحتاج إلى الخبز وليس قنابل) و (هذه ليست حربنا) جرى التهوين من شأنها في الصحف رغم الأعداد الكبيرة من الإنجليز الذين شاركوا فيها. إلا أن كاميرات التلفزيون ركزت على البريطانيين ذوي الأصول العرقية المختلفة ، كالآسيويين والأفارقة حتى تبدو وكأنها تعبير عن آراء الأقلية بين الشعب البريطاني"

- غير أن تزوير صورة الآخر وتزييفها ، لا يقتصران على الصورة التلفزيونية فقط ، وإنما تمارس هذه اللعبة الإعلامية غير الأخلاقية والبعيدة عن أخلاقيات مهنة الإعلام ، عند إيراد الأنباء أو استقائها في الصحف والإذاعات ، إضافة إلى الأفلام السينمائية التي بدأتها هوليوود بفيلم الخروج Exodus في بداية الستينات إلى أفلام المسخ Monster الكارتونية التي يراد بها تزييف واقع الحيوانات بخلق الحيوانات الناطقة ذات الأشكال الغريبة والتكوينات غير المألوفة : الحيوان الناطق الوحيدة العين أو الساق أو القرود الضخمة التي تماثل الفيلة ذات الأفواه الكبيرة الفاغرة والتي تأتمر بأوامر طفلة صغيرة ، إلى أفلام هوليوود الخاصة بسيناريوهات المستقبل ، من اجل التدخل ـ الذي اصبح استراتيجية سياسية محددة لواشنطن ـ في شؤون الدول الأجنبية : فيلم (حركة ذيل الكلب ) المنتج عام 1983 والذي تضمن سيناريو ضرب العراق الذي تحقق عام 1990 وفيلم (الحصار The Siege ) المنتج عام 1992 المتضمن سيناريو الهجوم على مركز التجارة الدولي الذي تحقق عام 1995 وفيلم بيرل هاربر Bearl Harbur المتضمن سيناريوهات حرب النجوم الذي تنتظر التنفيذ في مناطق العالم المختلفة .

ولما كان معظم صور التزوير والتلفيق والتزييف تستخدم بشكل سلبي وكدعوة للكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية وتحريضاً على التزوير ، فإنها تعد مخالفة صريحة للمادة (20) من (الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية) التي وافقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 ديسمبر (كانون الأول) 1966 . تلك المادة التي تنص على : "

تمنع بحكم القانون كل دعاية من اجل الحرب .

تمنع بحكم القانون كل دعوة للكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي من شأنها ان تشكل تحريضاً على التمييز أو المعاداة أو العنف" .

واستناداً إلى هذه المادة أقامت ثلاث جمعيات ويلزية قضية في الولايات المتحدة الأمريكية ضد عدد من المجلات ومحطات التلفزيون " لمنع قيام تلك المنظمات الإعلامية الأمريكية من استعمال كلمة (ويلزي Welsh ) التي يوصف بها الذين ينتمون إلى مقاطعة (ويلز) في بريطانيا ، على نحو سلبي يوحي بأنها شتيمة . حيث أن هذه الصفة مازالت تستخدم في الولايات المتحدة لوصف المخادعين والذين يراوغون في مسألة تسديد الديون المستحقة عليهم . ولهذا فان هذه الكلمة تسيء إلى جميع أولئك الذين تعود أصولهم إلى ويلز" (3) .كما أقامت المنظمات اليهودية دعاوى قضائية مماثلة في معظم بلدان أوروبا وأمريكا ـ بعد صدور الاتفاقية الدولية المذكورة ـ لتطهير القواميس الصادرة باللغة الإنجليزية من الاستعمالات السلبية لكلمة يهودي . إذ لم يقتصر نجاح تلك المنظمات على منع الأجهزة الإعلامية من استعمال تلك الكلمة على نحو مسيء لليهود وإنما تعدى ذلك إلى تنقية القواميس المطبوعة حديثا من المعاني السلبية التي أصبحت جزاءاً لا يتجزأ من مجموعة المترادفات التي حملتها" والتي اتخذتها الجمعيات الويلزية سابقة في مجال تطهير الثقافة الأمريكية من التمييز العنصري ضدهم . في حين لا تزال ثمة كلمات تحفل بها الثقافة الغربية المسيئة للعرب والمسلمين في معاجم تلك الثقافات ، مثل كلمة Street Arab الإنجليزية التي تعني (الأفّاق) وهي على وزن كلمة Streetwalker أي (المومس) التي تعد شتيمة منكرة عند استعمالها كصفة . إضافة إلى وجود عشرات الأفلام الغربية بعامة والهوليوودية بخاصة التي تسيء إلى العرب والمسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية دون أن تتحرك المنظمات العربية ـ وعلى رأسها جهاز الإعلام للجامعة العربية ـ للدفاع عن الثقافة العربية في تلك البلدان ، لتنقية المعاجم الإنجليزية من تلك الكلمات التي تؤلف تمييزاً عنصرياً ضدهم .

ومن هنا ، واستنادا إلى المادة العشرين من ( الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية ) التي وافقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 ديسمبر (كانون الأول) 1966 يحق لكل عربي أو عربية من مواطني الدول الأوروبية إقامة الدعوى أمام المحكمة الأوروبية " لشطب " تلك العبارات المسيئة أولا ثم إقامة دعوى تعويض مادي بسبب تشويه صورة العرب ، ثانيا . فما هو رأي رواد ( جمع ) من مواطني أوروبا الميامين ؟

د. ابراهيم الداقوقي ، صورة الأتراك لدى العرب ، منشورات مركز دراسات الوحدة العربية ـ بيروت 2001 ، ص9

صحيفة الشرق الأوسط ، العدد الصادر في 7/ 10/2001 .

سلاح القضاء لتنقية الإعلام الأمريكي ، صحيفة الشرق الأوسط ـ العدد الصادر في 3/1/1999

http://www.najah.edu/index.php?news_id=5438&page=3171&l=ar

No comments:

Post a Comment