Thursday, December 24, 2009

المواطن العربي في الصورة الإعلامية الأمريكية

المواطن العربي في الصورة الإعلامية الأمريكية

لا تزال المنطقة العربية تعاني من حالة هيكلية من التبادل اللامتكافئ إعلامياً فيما يُعبّر عنه بحالة التبعية الإعلامية. وقد تبدو هذه الحقيقة غريبة خصوصاً أن هناك كثرة من الصحف اليومية العربية التي تطلق على نفسها مجلة العرب الدولية، ولكل دولة عربية وكالة أنباء ومراسلون في العديد من عواصم العالم، كما أنّ هناك عشرات من الإذاعات الموجهة، بل وللعرب أيضاً قمر للإتصالات وهو قادر على بث البرامج التلفزيونية العربية.

وإذا كانت وسائل الاتصال الجماهيرية هي في الأساس أدوات ثقافية وأنها تشكل الوسيلة المثلى في الحصول على المعلومات، فإنها بالفعل تكوّن بيئة المواطن الفعلية وتساعد على صياغة قيمه واتجاهاته وشخصيته. وتبدو تلك الفرضية صحيحة في الولايات المتحدة الأمريكية حيث تتضخم وسائل الإعلام ويعتمد عليها المواطن الأمريكي في تكوين منظومة متكاملة من الأفكار والقيم والإتجاهات إزاء الآخرين سواء كانوا شعوباً أو دولاً أو أفراداً.

وتقوم هذه الدراسة على استجلاء طبيعة وحجم ودور الرؤية الإعلامية الأمريكية للمواطن العربي. وإذا انتهت من استقرائها في الصحافة والكتب المدرسية والسينما والتلفزيون والثقافة الشعبية ووكالات الأنباء، فإنها تضع بعض الحلول المقترحة للخروج من المأزق المأزوم لمحاولة إصلاح الصورة العربية لدى الرأي العام الأمريكي.

مقدمة منهجية

تتلخص أهم جوانب رؤية الآخرين المهيمنة على الوعي الأمريكي في تغليب النواحي المادية في إدراك حقائق الكون والحياة والمركزية الأمريكية ونفي ما هو عربي أو غير أمريكي بصورة خاصة وقد تشكلت هذه النظرية التي لا تخلو من استعلاء عنصري وسادت منذ حرب الاستقلال الأمريكية. فقد تكرست مفاهيم غريبة إزاء الشعوب غير الأمريكية، أهمها أن هذا المجتمع قائم على الأفكار البيوريتانية الدينية وأنه يضم صفوة المهاجرين من العالم لأنه قائم على نفي الجنس الأصلي (الهنود). وصار النظام الأمريكي يفرض نفسه كحامل لرسالة حضارية لشعوب متصفة بالوحشية وعدم القدرة على الإنتاج. وفي هذا الإطار تبلورت الرؤية الأمريكية لأن الولايات المتحدة هي الحضارة أو النموذج التطوري الملائم لسائر التجارب الإنسانية. وقد عكست العلوم الاجتماعية وجهود المستشرقين، بدرجات مختلفة، هذا التوجه والتزمت به. ويلاحظ أنور عبد الملك أن مصطلحات مثل "العالم" و"العالمية" و"النظام العالمي" (القديم ثم الجديد) أثناء وبعد الحرب الباردة استُخدمت بإسراف خلال القرنين الماضيين من منظور حصرها في إطار العالم المتمركز في أوروبا وأميركا الشمالية باعتبار الولايات المتحدة هي المركز لكل العالم.

وتجد آلية التفكير الغربي / الأميركي في العرب نموذجاً يثبت صحتها، فالصورة النمطية المستقرة في تلك الآلية عن العرب تحمل معاني ودلالات سلبية مستمدّة من الحروب الصليبية والصراع الاستعماري وكتابات المستشرقين، إضافة إلى ما تقوم به عمليات التنشئة الاجتماعية ومناهج التعليم ووسائل الإعلام الغربية من أدوار في تشويه صورة العرب. "وتجدر الإشارة إلى أن الصورة النمطية والشخصية القومية والقيم والرموز، تدخل ضمن تشكيل رؤية الغرب للعالم وأنماط التفكير والسلوك السائدة في الحضارة الغربية. ولذا يمكن إدراك اتساق صورة العرب في الوعي العربي مع مجمل الرؤية الغربية للعالم".

إن صورة أي شعب أو دولة في نفس صانع القرار هي أحد العوامل المهمّة التي يُتخذ قرار بسببها، وأوضح الأمثلة الرئيس الأمريكي السابق هاري ترومان الذي اعترف بإسرائيل بعد قيامها مباشرة وكان له دور كبير في إكسابها شرعية الوجود. وبالرغم من أن موقف ترومان السياسي ذو خلفيات إيديولوجية وسياسية، إلا أن صورة العرب لديه هي نقطة الإنطلاق في فهم المسائل السياسية، يقول في مذكراته: "إن الشرق الأوسط كان ذات يوم مهداً لدول العالم العظمى وكانت تقطنه ملايين السكان، وظهرت فيه أمبراطوريات نبوخذ نصر وداريوس الكبير وأمبراطورية رمسيس الثاني في وادي النيل، واستغلت هذه الأمبراطوريات موارد المنطقة أفضل استغلال. وما أن ذهبت هذه الأمبراطوريات العظيمة حتى سادت الاختلافات واشتعلت الحروب الأهلية وساد التدهور العام. وإذا استثنينا فترة قصيرة فإن العرب لم يستطيعوا أبداً أن يعيدوا لهذه المنطقة نفوذها"، أي أن العرب قوم متأخّرون واليهود هم الذين سيطوّرون المنطقة وينهضون بها. أوروبا أول ما صدّتهم في معركة بواتيه وما لبثت أن أغارت عليهم في الحروب الصليبية ودحرجتهم بعد ذلك إلى أبواب فيينا".

ويكفي اعتراف الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون: "يتصور كثير من الأميركيين أن العرب هم شعوب غير متحضّرة ودمويّة وغير منطقيين، وأن سبب اهتمامنا بهم هو أن بعض زعمائهم يسيطرون بالمصادفة، على بعض الأماكن التي تحوي ثلثي البترول الموجود في العالم". وتفسر الدراسات الأميركية حالة التخلّف الاقتصادي وقصور نتائج خطط التنمية الاقتصادية في الدول العربية بانتشار القيم والأنماط والممارسات المرتبطة بالإسلام، بالإضافة إلى أن التراث العربي – الإسلامي لا يعرقل التنمية الاقتصادية فحسب، بل إنه يمنع التنمية الاجتماعية أيضاً؛ فالأحكام الشرعية تميّز بين الذكور والإناث في موضوع الإرث. ويشير بعض تلك الدراسات إلى أن "الدول العربية لم تكن تعرف الديمقراطية في أي مرحلة من تاريخها، وذلك لأنها لم تعرف العلمانية والتسامح بل قامت على قمع التيارات الأخرى بدعوى الاختلاف مع الدول والقائمين على السلطة انتهاكاً للدين".

وتهدف هذه المحاولة إلى فصم العلاقة الجدلية بين العروبة والإسلام ونتاجها الحضاري بإسقاط القوانين التي أفرزتها التجربة التاريخية للغرب من صدام بين الكنيسة والفئات البورجوازية الصاعدة على الواقع العربي، بالرغم من اختلاف الظروف الدينية والقومية وعدم وجود مؤسسة كهنوتية ذات قداسة تيسر لها ادعاء احتلال السلطة الدينية وممارسة سلطات دنيوية.

إن المواطن الأميركي، بوجه عام، جاهل بأحوال العالم حوله وهو بالضرورة أشدّ جهلاً بالشعب العربي وقضاياه. ولئن كانت الدولة المغربية أوّل دولة في التاريخ اعترفت باستقلال الولايات المتحدة الأميركية فإن هذا الإعتراف المبكر لم يكن منصفاً لدور العرب في تكوين أميركا، وظل العرب غرباء عنها إلا عبر المصادمات مع قراصنة البحر في شواطئ المغرب العربي والحركات التبشيرية في المشرق العربي؛ إذ إن العربي لم يجاور المواطن الأميركي في داره ولم يشاركه في حياته حتى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن الحالي، مع انطلاق الهجرة اللبنانية العربية إلى أميركا. وعُرف المهاجر اللبناني في موجة الهجرة الأولى بهويته العثمانية "تركو" أكثر مما عُرف بهويته العربية، وكانت كلمة "تركو" تدل على ازدراء الأنجلو – سكسون المعتزين بتفوقهم العنصري، فأصبحت الصورة العربية في الذهن الأميركي خيالية ووهمية لأن الأميركي لم يعاشِر العربي داخل أميركا أو خارجها، وكان الكتاب العربي الذائع بين الأميركيين هو ألف ليلة وليلة الذي تُرجم إلى الإنكليزية تحت عنوان الليالي العربية، وكانت حكاياته تستهوي الخيال وتزين للصغار والكبار أن العرب المعاصرين لا يزالون هم عرب الليالي العربية.

القسم الأول: تدهور الصورة الإعلامية للعرب

تفيد النظرية الذهنية أن العقل الداخلي للإنسان يتكوّن من عناصر معرفية تسمى الذهنيات. وهذه العناصر يكتسبها الإنسان خلال مراحل متعددة من حياته، خصوصاً الطفولة المبكرة، إذ يرسخ في ذهنه معظم المعلومات التي يتلقّاها، وتشكل عنده الإطار المرجعي. وتضيف النظرية أن هذه العناصر الذهنية منتظمة في اطر ونماذج محدّدة، كما أنها مترابطة ومتداخلة بحيث إن عمل الواحد منها يؤثّر في عمل الأخرى، فعلى سبيل المثال، إن كلمة حرب تُذكّر بالغلاء والدمار والمجاعة.

والخلاصة أن التركيب الذهني للعناصر المعرفية يساعد على تكوين العالم الداخلي للإنسان ويجعله مفهوماً وواضحاً. وإذا اعتبرنا أن المعلومات التي يتلقاها الإنسان خلال مراحل حياته (وخصوصاً الطفولة) تشكّل عنده الإطار المرجعي، فلا بدّ من الإشارة إلى دور التربية وطرق التدريس في تزويد الفرد بسيل من المعلومات التي تساعده على تكوين عالمه الداخلي.

وأوضحت إحدى دراسات علماء الاجتماع العرب صورة العرب في الكتب المدرسية الأميركية للعلوم الاجتماعية في كاليفورنيا 1974 – 1975، وذلك في الصفوف من رياض الأطفال إلى الصف التاسع، وتوصّلت الدراسة إلى عدة نتائج مهمّة:

1ب- وجود مغالاة في التأكيد على البداوة أكثر من أي موضوع آخر يتعلق بالوطن العربي، وتأكيد الخصائص السلبية للبدو مع إغفال صفاتهم الإيجابية.

2- جاءت معالجة الإسهامات الإسلامية مختصرة للغاية بحيث بدت غير ذات أهمية، وإن كانت العناصر الأساسية قد نوقشت بدقة، إلا أنّ التأكيد على الخصائص السلبية مثل نزعة الإسلام إلى الحرب قد طغى على تسامح المسلمين تجاه أصحاب الديانات الأخرى، وأدى تصور المركز المتدني للمرأة مع التأكيد على الأمية وتعدد الزوجات إلى المزيد من التشويه لصورة الإسلام.

3- جاء تصوير الصراع العربي – الإسرائيلي غير متوازن بل متحيز للرؤية الإسرائيلية، وصورت إسرائيل على أنها الدولة الديمقراطية الوحيدة بين مجموعة من الجيران العرب الحاقدين. وتكرست أساطير مثل تحويل إسرائيل صحارى فلسطين إلى جنة خضراء بعد وصول المستوطنين اليهود. وتمّ إغفال الوقائع السلبية الأكيدة التي تضر بصورة إسرائيل.

ويتغاضى معظم الكتب المدرسية عن الحق المشروع للشعب الفلسطيني الذي هُجّر من أرضه التي عاش فيها قروناً طويلة. وتستبدل كتب مدرسية عديدة كلمة عربي بفلسطيني وتكون النتيجة أن القارئ سيفكر بالصراع وكأنه بين جوليات العملاق وداود الصغير بدلاً من التفكير بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. أما بالنسبة للدراسات الأكاديمية الجامعية فقد ظل اهتمام الجامعات الأميركية منصباً حتى منتصف القرن الحالي على الموضوعات ذات الطبيعة الاستشراقية الخاصة بالعلوم الإنسانية (وخصوصاً التاريخ) وتحقيق التراث العربي ونشره والفلسفة الإسلامية، والتصوف والفنون والآثار الإسلامية والأدب العربي واللغة العربية والفقه والشريعة الإسلامية وذلك بنسبة 74.5% من مجموع الأطروحات المجازة في الجامعات في الجامعات الأميركية حتى عام 1949، بينما كان نصيب العلوم الاجتماعية 22.4% وكانت الأولوية للتربية والعلاقات الخارجية. ولم تحظ العلوم والتكنولوجيا إلا بحوالي 2.4% من مجموع الأطروحات حتى ذلك العام، ثم ازداد الاهتمام في عقد الخمسينات بالعلوم الاجتماعية على حساب الإنسانيات حتى بلغ نصيبها 52.7% وارتفع نصيب الأطروحات الخاصة بالعلوم والتكنولوجيا إلى 5.9% واحتفظت العلوم الاجتماعية أيضاً بالصدارة في عقد الستينات وانخفضت نسبة أطروحات الإنسانيات في حين بلغ نصيب أطروحات العلوم والتكنولوجيا 6.1%. ومع بداية عقد السبعينات (حتى عام 1974) عادت الإنسانيات تحتل المرتبة الأولى تليها العلوم الاجتماعية ولم تحظ أطروحات العلوم والتكنولوجيا إلا بـِ 4.5%، ويتركز اهتمام الدارسين العرب في الجامعات الأميركية بالعلوم الاجتماعية وبالعلوم والتكنولوجيا في حين يركز الأجانب على دراسة الإنسانيات.

وتكرس الوسائل الإعلامية الأميركية الصورة السيئة للعرب عبر برامجها المختلفة، ونشاهد في بعض البرامج مثل الجزيرة الساحرة والمركز الطبي أمثلة واضحة على تلك الصورة؛ ففي البرنامج الأول يرغب أحد المدرسين في أن يصبح شيخاً ويقتني مقصورة للنساء يمتلكها شيخ حقيقي حيث يحاول هذا الأخير اغتيال المدرس ليخلو له الجو مع النساء. ويظهر العربي في البرنامج الآخر وكأنه من الرعاع الهمج ينفق الأموال كيفما يشاء ليبتاع أشياء لا حاجة له فيها، فعلى سبيل المثال، يشتري البطل (رشيد) محطة وقود لأحد الأطباء، وعمارة سكنية بأكملها لإحدى الممرضات.

وتمتد هذه النظرة الدونية للعرب إلى الأغاني الشعبية الأميركية وإلى النكات الفكاهية والكاريكاتورات الصحفية، وتنتقل منها مع تطور التكنولوجيا الإعلامية إلى الإذاعة والتلفزيون والفيديو، وتتخذ مع تطور العلاقات العربية الأميركية صوراً جديدة ولكنها "صور العربي القبيح" دائماً. وللنكات الشعبية موسوعة ألفها طلاب جامعة كاليفورنيا ويوجد فيها الكثير من العرب. هذا، وبالرغم من صغر حجمها إلا أنها تحمل العديد من الدلالات وأهمها بالطبع ما يسود الفكر الأميركي من تعصب عرقي ضد العرب.

ويعشق الأميركي صور الكاريكاتور في صحيفته، وقد تكون كل ما يطالعه من الصحيفة لأن هذه الصور تستهويه أكثر من المقالات والأخبار. ولم تكن الصحف الأميركية تهتم بالكاريكاتور عن العرب قبل الحرب العالمية الثانية، وأخذ العربي يظهر بعد الحرب بصورة حيادية، وتطور هذا الحياد إلى شكل عدائي مع تطور الأحداث بعد إنشاء إسرائيل عام 1948 حتى حرب 1973 التي أُقرنت بارتفاع أسعار البترول. ومع إن جميع دول الأوبك اشتركت في رفع الأسعار فإن العرب وحدهم أصبحوا كبش المحرقة للأزمة البترولية وللأزمة الاقتصادية التي نتجت عنها. وكان أبشع الرسوم للرسام أوليفانت وقد ظهرت في سلسلة من الصحف انطلاقاً من صحيفة الدنفريوست في ولاية كولواردو عام 1974، ويصور الرسم مجموعة من العرب المشوهي الهيئة وهم متمددون على الطنافس وتخدمهم جارية وتقدم لهم أطباقاً من لحم الخنزير المشوي ويجلس معهم طفل أسود وضعت حروف كلمة إفريقيا على وجهه، ويأكل العرب اللحوم ويلقون إليه بالعظام وكأن العرب لا يجوعون الغرب وحده بسياستهم البترولية ولكن يجوعون أبناء قارتهم الإفريقية ودول العالم الثالث أيضاً.

وتكاد الشركات الاميركية الكبرى تحتكر صناعة السينما في العالم وتشرف على هذا الاحتكار جمعية السينما الأميركية وتديره جمعية تصدير الأفلام الاميركية التي لها مئات المكاتب في مختلف أنحاء العالم؛ فالإعلام اليوم صناعة معقدة متشابكة ومكلفة تسيطر عليها شركات كبرى متعددة الجنسيات، ويتحكم فيها القرار الأميركي بنسبة كبيرة. والتحكم في القرار يعني السيطرة واستخدام النفوذ، فنجد أن طاهر الشريعة شيخ السينمائيين العرب ومؤسس مهرجان قرطاج السينمائي والمدير الأسبق لإدارة السينما في وزارة الثقافة التونسية اتهم وسجن وحوكم في أوائل التسعينات لأنه تجرأ وقال إن شركات التوزيع الاميركية تهيمن هيمنة مطلقة على حركة استيراد واستثمار الأفلام في إفريقيا وفي الأقطار العربية.. وأنه لا بد من وضع حد لهذا الأمر. وأصدر الشريعة منذ عدة سنوات كتاباً أسماه شاشات التخمة تناول فيه أساليب وميكانيكية (الاحتكار الذي تمارسه الشركات دولية النشاط الأميركية وما يفرضه ذلك من هيمنة إمبريالية على المستوى الثقافي والسياسي واستعمار جديد على المستوى الاقتصادي.

وفي هذا السياق لعبت السينما الأميركية دوراً هاماً في التعريف بالعربي ككائن عدو لكل ما هو غربي؛ ففي عام 1905 ظهر كبطل لبعض روايات ألف ليلة وليلة، وارتبطت شخصيته بالجنس والقصص المثيرة ثم بدأ الغموض يحيط بهذه الشخصية كجزء من أسطورة الشرق الغامض الذي يضم الهند والصين واليابان والوطن العربي.

وقد ظهر العربي في أفلام ما بعد الحرب العالمية الأولى في صورة تلازمها ألوان السرقة والإغراء والاغتصاب والقتل والشهوة الجنسية والمواقف المعادية للغرب. وفي عام 1920 برزت شخصية العربي في دورين: دور العاشق المحب بعد أن ظهر رودلف فالنتينو في فيلمين في دور شخص عربي وسرعان ما اختفى هذا النمط. أما الدور الثاني فهو شخصية الوغد الخائن الذي يحارب ضد الغرب واستمر هذا النمط؛ ففي الثلاثينات ظهرت عدة أفلام عن الحروب الصليبية أكدت في الأذهان فكرة الصراع الديني. وبعد الحرب العالمية الثانية ظهرت للعربي أدوار كوميدية دون التركيز على الدور الذي لعبته الدول العربية في الحرب. وفي الفترة التالية ظهر خطان محوريان: أولهما، إبراز الصراع بين اليهودي والعربي في إطار أفلام تاريخية تتسم بالتعاطف الأكيد مع النظرة الصهيونية. وثانيهما، العودة إلى إبراز العربي في دور العاشق وقصص ألف ليلة وليلة. وكان من الملاحظ أن العلاقة بين العاشق العربي والمرأة الغربية تنتهي دائماً بنهاية درامية مأساوية كدليل على عدم إمكانية قيام علاقة متكافئة بين الطرفين.

وفي الفيلم الأميركي سرقة تابوت العهد الذي عرض في مصر عام 1983، وأثار ضجة في أوساط المثقفين، يأتي بطل أميركي إلى مصر ليسرق التابوت وينجح بالطبع في مهمته بعد أن يعترض سبيله مئات الجنود المسلحين والمزودين بمدافع ودبابات وآلات عسكرية ضخمة فيواجههم معزول السلاح ويتغلب عليهم ويعود منتصراً مظفراً. وفي فيلم المعبد الملعون الذي أخرجه اللوبي الصهيوني في أميركا على أثر اختطاف طائرة T.W.A الأميركية إلى بيروت واحتجاز الرهائن لفترة من الزمن، ويظهر جلياً ما تحاوله الوسائل الإعلامية من ترسيخ لفكرة الأميركي الذي لا يقهر؛ ففي هذا الفيلم تأتي مجموعة من الكوماندوز الأميركي إلى بيروت لتحرير الرهائن والطائرة معاً. وبعد تخطيط دقيق تقوم الفرقة الأميركية باقتحام كل الحواجز اللبنانية ونقاط التفتيش والثكنات العسكرية وتطلق سراح الرهائن وتعود منتصرة. وتوضح هذه الأفلام القدرة الخارقة للمواطن الأميركي على صنع المعجزات، وبالمقابل، وفي الوقت نفسه تُظهر الشعب العربي في صورة ضعف وغباء؛ إذ لم يستطع شعب بأكمله مقاومة أفراد قليلين من الغزاة.

ويعكس التلفزيون الأميركي النظام العقائدي المعادي للعرب. ولا يزال العربي يُقدم في المواد التلفزيونية الترفيهية على أنه متوحش وجبان ومنحط، ويوصف القادة والزعماء بأنهم بدو يعيشون في عداوات دموية أو أنهم يبتزون غيرهم بالبترول وأنهم قوادون ومتعطشون للجنس وخائنون بل ويحصلون على متعة كبيرة في تنظيم وإدارة شبكات الرقيق الأبيض. والمسألة الأكيدة أن التلفزيون يكّون رأياً عاماً أميركياً كارهاً ومتحفزاً ضد العرب وبالتالي القدرة على إضفاء الشرعية على كل ما هو معاد للعروبة، ونزع الشرعية عن أي تعاطف أو موضوعية مع القضايا العربية أو حتى محاولة فهمها. وينشأ المواطن الأميركي منذ طفولته كارهاً للعرب أو مزدرياً لهم. وهناك مسلسلات أميركية يتتبعها المشاهدون يومياً بشغف كمسلسل فاجاس وجزيرة الأحلام والمرأة البيكونية ورجل الستة ملايين دولار وإمرأة العجائب... إلخ، فيها يظهر العربي على أنه القبيح والقذر المتعطش إلى الدماء والمحتكر للبترول لإذلال الأميركيين؛ ففي مسلسل أليس يظهر العربي الغني بمظهر الغبي المولع بحب النساء ذوات الشعر الأحمر. هذا العربي المتزوج أصلاً من ثلاث زوجات يطلب من إحدى العاملات في احد المطاعم أن تصبح زوجته الرابعة، ويفعل ذلك فقط بسبب لون شعرها ثم يرغب في اصطحاب عروسه وجميع أصدقائها إلى بلاده على متن طائرته الخاصة بوينج 747. ومن ثم ينتهي إلى التخطيط لشراء الولايات المتحدة بأكملها. ويعمد أخيراً إلى الرجوع إلى بلاده ليتحقق من حادث جرى في احد مناجم الماس التي يمتلكها مردداً الحكمة التي ورثها عن أبيه: الرجل الذي لا صديق له لا بد له من أن يرقص مع جمله. وتحكي حلقات جالاكِتكا التي تندرج تحت مسمّى الخيال العلمي، عن أولئك القوم البواسل أصل البشرية وبناة الحضارة الإنسانية والمكونين من إثنتي عشرة قبيلة تعيش في الشتات الذي هو الأجواء العليا أو السماء وأن عليهم العودة إلى الأرض، أرض الأجداد أصل البشرية وصانعي الحضارة القديمة. وفي طريقهم إلى العودة بقيادة "آداما" يضيعون ولا يبقى منهم إلا نجم واحد مقاتل هو جالاكِتكا يصمم سكانه على العودة إلى أرض الميعاد للقيام بدورهم القدري في قيادة العالم واعتبارهم المؤهلين لذلك. وقد التقى التائهون أثناء شتاتهم بتاسع أربابهم (صورة الفرعون توت عنخ آمون داخل مقره في هرم من ثلاثة أهرامات يجاورها أبو الهول) وكانوا يسعون إلى لقاء القبيلة الثالثة عشرة التي تاهت منهم منذ البداية وتخلفت على الأرض. ويمتلئ المسلسل بالرموز والإيحاءات التي تؤكد تحامله على العرب ومغالطاته الفاضحة تجاه تاريخ مصر الفرعوني والتي تظهر في المسلسل في أكثر من موضع: فمقاتلو آدم يلبسون خوذات مماثلة تماماً لغطاء الرأس الفرعوني القديم بالإضافة إلى الأهرامات، وكأن الهدف هو تأكيد مزاعم رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحم بيغن عندما حضر إلى مصر بعد توقيع إتفاقية كامب – ديفيد إذ زعم أن أجداده اليهود هم بناة الأهرامات. ويتأثر الطفل العربي بمشاهد العنف في المسلسلات الأميركية وليس في استطاعة الأسرة منعه من مشاهدتها. ويتضح ذلك في التقليد وتقمص الطفل لشخصية المسلسل بسلوكها أو آرائها وتكرار مشاهد العنف بحيث تنتزع الصدمة الأخلاقية الملازمة لهذا الفعل في ذهن الطفل وتحويل العنف إلى تسلية تنزع منه عنصر الصدمة والخطأ وتحوله من خلال التكرار إلى مجرد تسلية قابلة للتطبيق العملي من الشارع دونما رادع أخلاقي، خصوصاً أنه يتلقى من المسلسلات الأميركية القيم والمعايير الأخلاقية في إطار جمالي.

ويتضمن هذا النمط جوانب إيجابية ولكن ينبغي التأكيد على طبيعة التساند في إطار النسق الثقافي، ومن ثم فإن تركيز الثقافة الأميركية على قيم مثل الحرية هو أمر جيد ولكن مضمونها في تلك الثقافة يختلف عن الثقافة العربية؛ فقد عبر تقرير التنمية البشرية لعام 1991 عن مؤشرات الحرية البشرية ومن ضمنها حقوقاً شخصية تتناقض والنسق الثقافي العربي – الإسلامي. ولذلك فإن خطورة التلفاز الأميركي والإقتناع بالمسلسلات المتعددة التي يعرضها يؤدي بشكل تدريجي إلى إقحام قيم من هذا القبيل على مكونات نسق الثقافة العربية وتحت مسميات براقة تختلف في المضمون مع القيم العربية الأصيلة.

القسم الثاني: نحو إصلاح مقترح للصورة العربية في أميركا

نقطة الإنطلاق الأولى لأي إصلاح جذري هي استجماع عناصر القوة الذاتية في المجتمع العربي وتحقيق أكبر درجة ممكنة من التماسك في القوى العربية. ويتم ذلك بفعل وعبر تحقيق التلاحم بين القوى المؤهلة للتصدي للمواجهة، وهي القوى الرسمية ثم الهيئات والمنظمات الشعبية التي تضم الحركة القومية العربية والحركات الإقليمية الوطنية.

وتقتر الدراسة ضرورة التركيز على الإنجازات العربية في مجالات الثقافة والعلوم والفكر من خلال مراكز ثقافية عربية على غرار المجلس البريطاني أو معهد غوته الألماني بالإضافة إلى إقامة مراكز للدراسات الخاصة بالدول الغربية وبالأخص أميركا. ويمكن لجامعة الدول العربية تبنّي هذا الإقتراح ليحظى بالثقة على أن يكون التركيز على مؤسسات صنع القرار المهمة مثل الكونغرس ووسائل الإعلام في الولايات المتحدة الأميركية. ومن الأمور المهمة كذلك تشجيع نمو المنشآت والقنوات الوطنية للإتصال في الوطن العربي، مثل وكالات الأنباء، فيتم إنشاء العديد منها في سائر الدول وتخضع لهيمنة وكالة واحدة مركزية لمنافسة تلك التي تديرها الشركات دولية النشاط. ولسوف تصبح هذه الوسائل الأدوات الحقيقية للتدفق الإعلامي من وإلى الدول العربية، على ألاّ تخضع هذه الأجهزة للسيطرة الحكومية أو البيروقراطية وعلى أن تُدار من الناحية المهنية بشكل يدعو إلى اكتساب احترام وثقة المتخصصين والرأي العام.

ثمة ضرورة للعمل على تغيير الصورة الإعلامية للعرب في أمريكا من خلال:

1. تحول المهاجرين العرب في أميركا إلى قوة فاعلة في الإعلام العربي سواء كان ذلك بالمشاركة الكفائية أو الإعلانية أو المالية من خلال الجامعة العربية أو المنظمات المتخصصة مثل اليونسكو.

2. توعية أميركا بما كان للعرب من تأثير في التقدم الإنساني منذ أن كان وطنهم مهداً لحضارات الإنسان الأولى إلى أن حركت الترجمات اللاتينية للكتب العربية نهضة الفكر الغربي العصرية وإلى أن أسهمت أعلامٌ عربيةٌ معاصرة إسهاماً إبداعياً في تقدم الغرب الثقافي بالإضافة إلى العلماء والباحثين العرب الذين يعملون الآن في المختبرات العلمية ويبدعون في الميادين الأدبية والفنية والجامعية ويفتقرون إلى من يعرّف بهم تعريفاً حقيقياً.

3. وعي العلاقة بيت تطوير علاقاتنا بأميركا على الصعد الثقافية والتربوية.

4. إمداد الجمعيات العربية بالمساعدات المالية كي تقوم بنشاطاتها وفعالياتها بانتظام واستمرار، لأن معظم تلك الجمعيات في أميركا تعاني من فقر وعسر شديد في مواردها المالية يمنعانها من تأدية واجباتها.

5. على الحكومات العربية وجامعة الدول العربية أن تعمل على إعداد أفلام وثائقية وشرائح فيديوتيب تعرض بصورة واضحة ومبسطة ما يجري في الوطن العربي من تغيرات، ويجب توفيرها لدى مقر الجامعة وسفارات الدول العربية ولدى بعض الجمعيات للاستفادة الأميركية منها.

6. ضرورة إصدار مجلات شهرية أو فصلية مطبوعة طباعة فاخرة توزع مجاناً لمكتبات المدارس الأميركية، توضح الصورة الحقيقية للمواطن المتحضر والإنجازات العربية القديمة والمعاصرة بشكل موجز ومؤثر يقوم بتحريرها كبار الأكاديميين المتخصصين في دراسة السيكولوجية العامة للشعب الأميركي.

كلمة أخيرة ... على الصعيد السينمائي والتلفزيوني، وبالرغم من السيطرة الصهيونية يجب إنشاء شركات متخصصة تعرّف المواطن الأميركي بالصورة الصحيحة للعرب وحضارتهم وثقافتهم وإنجازاتهم، على أن تكون من الإنتاج الضخم والتقني المتميّز وتحت إشراف جهات علمية بآليات نموذج الإعلام الأميركي، ويجب العمل على تسويق تلك الأعمال الفنية في المنتديات الثقافية والأندية العلمية ومحاولة إيجاد طرق مبتكرة للنفاذ إلى دور السينما ومملكة الفيديو الأميركية।

http://www.najah.edu

No comments:

Post a Comment